اجتماعيةرمضانياتعاممقالاتمقالات تربوية

حاجتنا نحن إلى شهر رمضان

أ.فرحات الهوني

دائما نبحث عن أوقات مناسبة يكون في التغيير إلى الأفضل، ونتحرى بدقة هذه الأوقات، ونغفل أحيانا أن هناك محطات مهمة في الانطلاقة للتغيير.
يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله تعالى: “إن في حياة المسلم مفاصل مهمة للتغيير”، وقد ذكر منها شهر رمضان.
نعم ما ذكره الشيخ الغزالي صحيح فشهر رمضان مضمار مهم للتنافس، وموسم طيب مبارك للتغيير ولا شك أن يمني فيه المسلم دائما بالتغيير إلى الأفضل، وأن يجتهد في الاستفادة من هذا الموسم بالمزيد من الطاعات، وهذه حقيقة ونذكر عندما كنا صغارا نعلق كل أمورنا التعبدية إلى أن يأتي شهر رمضان، ونعزم على الجد فيه والانضباط في أداء شعائره، فيذهب رمضان ونجدد العزم إلى رمضان المقبل وهكذا.
يقول الشيخ إبراهيم الحمدو: “شهر رمضان نفحة قدسية، وبركة ربانية يتعهد الله عز وجل بها عباده كل سنة مرة، فتجدد القلوب عهدها مع الله عز وجل، وتجلو فيها النفوس عن طبيعتها ما علق بها من صدأ المعاصي والابتعاد عن الله عز وجل في أحد عشر شهرا، وتتهيأ الأرواح لتتخلص من تعلّقها الأرضي متجهة إلى عالم أقرب وأطهر وأسمى، متخذة من صفائها ولطافتها معراجا تعرج به نحو السماء .”
فشهر رمضان أقبل علينا بنوره وعطره وخيره وطهره، جاء ليربي في الناس قوة الإرادة وعظمة التغيير، في تحمل الشدائد، والانتصار على العقبات، ومصاعب الحياة، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يهنئ أصحابه عند مجيء رمضان، ويبشرهم ويقول لهم: “أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، وفيه ليلة هي خير من ألف شهر، من حُرِمَ خيرها فقد حرم” (أخرجه أحمد).
فقد تكلم العلماء والفقهاء من السلف والخلف عن وجوب صوم رمضان وسننه ومستحباته ومكروهاته ومبطلاته، وتكلم أيضا علماء السلوك عن كيفية الارتقاء والسمو الروحي في هذا الشهر الفضيل، ولم يتركوا شيئا يخص هذا الشهر إلا وتكلموا فيه بالتفصيل، ولكن السؤال ماذا استفدنا نحن من هذا الموروث العلمي؟
اكتفينا بالصيام عن الطعام والشرب والتحرز من عدم الاقتراب من أي شيء يفطر، واجتهدنا في ختمة القرآن مرتين أو ثلاثة، والمحافظة على الصلاة في المسجد، والحرص الشديد على صلاة التراويح خلف الصوت الحسن، ولو بيننا وبينه مسافات، هذا طيب وجميل وحرص مأجور عليه إن شاء الله، وطاعات لا يقلل من شأنها فهي عظيمة والإكثار منها في شهر رمضان مطلوب، ولكن ماذا عن أنفسنا التي بين جنبينا التي تخوض مع الخائضين؟ هل يذهب رمضان تلو رمضان ومازلنا صغارا نمني أنفسنا بالتغيير؟
عندما نريد الاستعداد لرمضان ونتفقد النواقص واحتياجاتنا المعيشة من الأكل والشرب، أيضا نتفقد النواقص واحتياجاتنا النفسية والسلوكية التي تحتاج إلى التغيير والتطهير النفسي والتهذيب السلوكي، نتفقد مواطن تقصيرنا مع الله وتحري ما يقربنا إليه من الطاعات.
فتغيير الحال لا يكون بالتمني والأماني، ولكن بالعمل الجاد والنية الخالصة والسلوك القويم، وشهر رمضان الكريم فرصةٌ حقيقية للتغيير، فهو البرنامج العملي لإصلاح النفوس والقلوب، فرمضان شهر التغيير، لإحداث نقلةٍ رُوحية وجسدية تُصلح أوضاعنا وتُغيّر ما بداخلنا، والتغيير الإيجابي يحتاج منا جميعًا إلى إرادة صادقة، وعزيمة قوية، وسعي حثيث للتغيير.
فالنفس مناط التغيير للإنسان والواقع، ورمضان موسم مهم للارتقاء بها إلى التي هي أحسن، ونحن دعاة تغيير فلا ندخل إلى دائرة المقت عند الله أن نقول ما لا نفعل، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) [سورة الصف 2 – 3]، إذا لم نبلغ الكمال نقترب منها، ولا يكلف الله نفسا للتغيير إلا وسعها وعلى هذا يحاسبنا الغفور الرحيم.
تقبل الله منا الطاعات في هذا الشهر، ونسأله أن يعيننا على أنفسنا حتى نغير واقعنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى