اجتماعيةثقافة ومجتمعمقالات

صناعة الجهل

الدكتور/ ونيس المبروك

هل الارتقاء المعرفي لدى الإنسان يزداد مع تطور التقنية وسهولة الوصول للمعلومات؟

التسليم بهذا الأمر مغالطة خطيرة! فقد تزداد مساحة الجهل ووهم المعرفة بسبب ضعف ترشيد استخدام التقنية الحديثة.

فسيل المعلومات المتناثرة في كل مكان، لا يعني بالضرورة الوصول لحقائق الأفكار وتقييم المواقف والرجال، لاسيما إذا ما كان هناك فقر في منهجية المعرفة، وفحص المعلومات، واعتماد معايير لتقييم الرجال والأفكار، …

في عالمنا اليوم لم يعد الجهل ثمرة لترك تحصيل المعارف بل هناك (برمجة) ذكية وممنهجة للتجهيل، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام المرئي، الذي يعتمد إستراتيجية التضليل، وتمرير الشبهات والأفكار، والعمل على توجيه العواطف وتبديل الأمزجة النفسية، وتنميط العقل، …. وتزداد عملية التضليل والتجهيل تعقيدا وتركيبا، في ظل اتساع شريحة (المثقف النذل) الذي يستعمل بِدهاء جزءا ضئيلا من الحقيقة، لتمرير نتائج وأباطيل وسموم لا علاقة لها بالحق والحقيقة، قلما يتنبه لها القارئ والمستمع.

قبيل الحرب على العراق قامت لجنة تابعة للعلاقات العامة في الإدارة الأمريكية بحملة إعلامية كبيرة، لبرمجة العقل الأمريكي لأجل تسويغ غزو العراق، فلم تكن الأرض ممهدة في المجتمع الأمريكي لقبول مثل هذه المجازفة وقامت إستراتيجيتها – كما أشار المفكر الكبير نعوم تشومسكي – على القضايا التالية:

– خلق أعداء لا وجود لهم

– بث الخوف بين المواطنين من هؤلاء الأعداء

– إثارة الشكوك والحيرة بضخ معلومات متضاربة

لقد عالج القرآن الكريم هذه الضلالات بجملة من التدابير المنهجية، كالتبين من الأخبار، وتنزيه الأذن من أن تكون مكبا لنفايات الكتاب والقلب من أن يكون إسفنجة لامتصاص الشائعات، وأن لا يبني المرء أحكامه على الأفكار والأشخاص دون برهان ساطع أو دليل قاطع، وأن يحترم ويشكر نعمة السمع والبصر والفؤاد، ويعلم أن هذه الحواس هي نِعَمٌ ومسؤوليةٌ في آن واحد، قال تعالى: “إن السمع والبصر والفؤاد، كل أولئك كان عنه مسؤولا”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى